يعتبر النصارى حادثة صلب المسيح أحد أهم أحداث المعمورة، حيث يرون صلب السيد المسيح، ليتحمل عن البشر خطيئة أبيهم آدم، بل وخطاياهم جميعاً.
وتؤكد الأناجيل - في إصحاحات مطولة - صلب المسيح، ذاكرةً الكثير من تفاصيل القبض عليه، ومحاكمته، وصلبه، ثم دفنه، ثم قيامته، فصعوده إلى السماء.
وهكذا يرى النصارى أيضاً أن تجسد الإله في المسيح هذا الحدث العظيم -كان من أجل أن يصلب الإله، ويصور هذا توما الأكويني فيقول: " توجد أراء مختلفة، فيزعم البعض أن ابن الله كان سيتجسد حتى لو لم يخطئ آدم، ويرى البعض خلاف ذلك، ويبدو من الأصوب الانتماء إلى الرأي الثاني... الكتاب يقول لنا دائماً: إن خطية الإنسان الأول هي الدافع لتجسد ابن الله، وعليه يظهر أن هذا السر إنما رتبه الله كدواء للخطيئة ؛ بحيث إنه لولا الخطيئة لما كان التجسد ".
ويصور الكاردينال الإنجليزي (منينغ) أهمية حادثة الصلب في كتابه “ كهنوت الأبدية” فيقول: " لا تخفى أهمية هذا البحث الموجب للحيرة، فإنه إذا لم تكن وفاة المسيح صلباً حقيقية، فحينئذ يكون بناء عقيدة الكنيسة قد هدم من الأساس، لأنه إذا لم يمت المسيح على الصليب، لا توجد الذبيحة، ولا النجاة، ولا التثليث.. فبولس والحواريون وجميع الكنائس كلهم يدعون هذا، أي أنه إذا لم يمت المسيح لا تكون قيامة أيضاً ".
ويقول جوردن مولتمان في كتابه " الإله المصلوب " : " إن وفاة عيسى علي الصليب هي عصب كل العقيدة المسيحية.
إن كل النظريات المسيحية عن الله، وعن الخليقة، وعن الخطيئة، وعن الموت، تستمد محورها من المسيح المصلوب ".
وهذا ما أكد عليه (بولس) حين ألغى دور الناموس معتمداً على أن المسيح صلب عن الخطيئة، وأنه افتدانا بذلك من لعنة الناموس، فيقول: " وإن لم يكن المسيح قد قام، فباطل كرازتنا، وباطل أيضاً إيمانكم " ( كورنثوس (1) 15/14).
وتؤكد الأناجيل - في إصحاحات مطولة - صلب المسيح، ذاكرةً الكثير من تفاصيل القبض عليه، ومحاكمته، وصلبه، ثم دفنه، ثم قيامته، فصعوده إلى السماء.
وهكذا يرى النصارى أيضاً أن تجسد الإله في المسيح هذا الحدث العظيم -كان من أجل أن يصلب الإله، ويصور هذا توما الأكويني فيقول: " توجد أراء مختلفة، فيزعم البعض أن ابن الله كان سيتجسد حتى لو لم يخطئ آدم، ويرى البعض خلاف ذلك، ويبدو من الأصوب الانتماء إلى الرأي الثاني... الكتاب يقول لنا دائماً: إن خطية الإنسان الأول هي الدافع لتجسد ابن الله، وعليه يظهر أن هذا السر إنما رتبه الله كدواء للخطيئة ؛ بحيث إنه لولا الخطيئة لما كان التجسد ".
ويصور الكاردينال الإنجليزي (منينغ) أهمية حادثة الصلب في كتابه “ كهنوت الأبدية” فيقول: " لا تخفى أهمية هذا البحث الموجب للحيرة، فإنه إذا لم تكن وفاة المسيح صلباً حقيقية، فحينئذ يكون بناء عقيدة الكنيسة قد هدم من الأساس، لأنه إذا لم يمت المسيح على الصليب، لا توجد الذبيحة، ولا النجاة، ولا التثليث.. فبولس والحواريون وجميع الكنائس كلهم يدعون هذا، أي أنه إذا لم يمت المسيح لا تكون قيامة أيضاً ".
ويقول جوردن مولتمان في كتابه " الإله المصلوب " : " إن وفاة عيسى علي الصليب هي عصب كل العقيدة المسيحية.
إن كل النظريات المسيحية عن الله، وعن الخليقة، وعن الخطيئة، وعن الموت، تستمد محورها من المسيح المصلوب ".
وهذا ما أكد عليه (بولس) حين ألغى دور الناموس معتمداً على أن المسيح صلب عن الخطيئة، وأنه افتدانا بذلك من لعنة الناموس، فيقول: " وإن لم يكن المسيح قد قام، فباطل كرازتنا، وباطل أيضاً إيمانكم " ( كورنثوس (1) 15/14).
صلب المسيح عند المسلمين
وأما الرأي الإسلامي فيتلخص في أن المسيح عليه السلام لم يصلب كما يدعي اليهود والنصارى.
وقد استند علماؤنا - في هذا الرأي المخالف لما أجمعت عليه الأناجيل - إلى آيات القرآن الكريم وهي تقرر ذلك.
فقد أشارت الآيات إلى المؤامرة التي جرت للمسيح، وقررت أموراً يلحظها قارئ الآيات، فقد أشارت الآيات لنجاته في قوله:{ ويكلم الناس في المهد وكهلاً } (آل عمران : 46) والمعلوم أن المسيح رفع وهو في الثلاثينيات من عمره، والكهولة في اللغة مقترنة بالمشيب، ولما يدركه المسيح حال وجوده الأول، فدل على أنه سيعيش ويبلغ الكهولة، ويكلم الناس حينذاك، ولو صرفت عن هذا المعنى لما بقي لذكر الكهولة - وكلامه فيها - وجه، إذ ذكرت بين معجزات المسيح، والكلام في الكهولة كل أحد يطيقه، ولا معجزة في ذلك.
وقد أشارت آية أخرى لنزوله في آخر الزمان وهي قوله { وإنه لَعِلْم للساعة فلا تمترن بها} (الزخرف: 61).
ومثله قوله تعالى { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً } (النساء : 159).
وتتحدث الآيات أيضاً عن نجاة المسيح من مؤامرة أعدائه، فقد قال تعالى - في معرض تعداده لنعم الله على المسيح:{ وإذ كففت بني إسرائيل عنك } (المائدة: 110).
{ ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين } (آل عمران: 54 ). فقد أنجى الله نبيه -المسيح- من مؤامرتهم وكيدهم.
وتخبر الآيات عن بعض ملامح هذه المؤامرة التي حاكها اليهود { وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً}. (النساء: 157-158).
وثمة آية أخرى تشير إلى رفعه ونجاته، وهي قوله تعالى: { إني متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة } (آل عمران: 55).
إذاً القرآن ناطق بنجاة المسيح من مكر الماكرين، ورفعه إلى السماء، وأن أعداءه الذين أرادوا صلبه وقعوا في الشك، فرفع المسيح، ثم يعود قبيل الساعة، فيكون علامة على قرب انقضاء الدنيا.
ولا تذكر النصوص القرآنية ولا النبوية أي تفصيل عن كيفية نجاة المسيح، لذا فقد حاول علماؤنا تلمس الحقيقة التي أخبر عنها القرآن في النقول التي نقلها إلينا مسلمة أهل الكتاب أو نقبوا بحثاً عن الحقيقة في طيات أسفار أهل الكتاب بحثاً عن هذه الكيفية التي نجى بها المسيح،
قوله تعالى { وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً } فالشك في الآية منصرف إلى شخصية المصلوب.
وقد استند علماؤنا - في هذا الرأي المخالف لما أجمعت عليه الأناجيل - إلى آيات القرآن الكريم وهي تقرر ذلك.
فقد أشارت الآيات إلى المؤامرة التي جرت للمسيح، وقررت أموراً يلحظها قارئ الآيات، فقد أشارت الآيات لنجاته في قوله:{ ويكلم الناس في المهد وكهلاً } (آل عمران : 46) والمعلوم أن المسيح رفع وهو في الثلاثينيات من عمره، والكهولة في اللغة مقترنة بالمشيب، ولما يدركه المسيح حال وجوده الأول، فدل على أنه سيعيش ويبلغ الكهولة، ويكلم الناس حينذاك، ولو صرفت عن هذا المعنى لما بقي لذكر الكهولة - وكلامه فيها - وجه، إذ ذكرت بين معجزات المسيح، والكلام في الكهولة كل أحد يطيقه، ولا معجزة في ذلك.
وقد أشارت آية أخرى لنزوله في آخر الزمان وهي قوله { وإنه لَعِلْم للساعة فلا تمترن بها} (الزخرف: 61).
ومثله قوله تعالى { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً } (النساء : 159).
وتتحدث الآيات أيضاً عن نجاة المسيح من مؤامرة أعدائه، فقد قال تعالى - في معرض تعداده لنعم الله على المسيح:{ وإذ كففت بني إسرائيل عنك } (المائدة: 110).
{ ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين } (آل عمران: 54 ). فقد أنجى الله نبيه -المسيح- من مؤامرتهم وكيدهم.
وتخبر الآيات عن بعض ملامح هذه المؤامرة التي حاكها اليهود { وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً}. (النساء: 157-158).
وثمة آية أخرى تشير إلى رفعه ونجاته، وهي قوله تعالى: { إني متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة } (آل عمران: 55).
إذاً القرآن ناطق بنجاة المسيح من مكر الماكرين، ورفعه إلى السماء، وأن أعداءه الذين أرادوا صلبه وقعوا في الشك، فرفع المسيح، ثم يعود قبيل الساعة، فيكون علامة على قرب انقضاء الدنيا.
ولا تذكر النصوص القرآنية ولا النبوية أي تفصيل عن كيفية نجاة المسيح، لذا فقد حاول علماؤنا تلمس الحقيقة التي أخبر عنها القرآن في النقول التي نقلها إلينا مسلمة أهل الكتاب أو نقبوا بحثاً عن الحقيقة في طيات أسفار أهل الكتاب بحثاً عن هذه الكيفية التي نجى بها المسيح،
قوله تعالى { وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً } فالشك في الآية منصرف إلى شخصية المصلوب.
أهمية إبطال صلب المسيح عند المسلمين.يعتقد المسلمون أن الأنبياء كسائر البشر يموتون، وقد يكون موتهم قِتلةَ، ويحكي القرآن عن بني إسرائيل بأنهم كانوا يقتلون الأنبياء بغير حق، وعليه فلا حرج عندنا في موت نبي بأي قتلة قتله بها سفهاء قومه ومجرموهم، فالقتل لا يضر النبي المقتول، بل هو من اصطفاء الله له.
فلماذا ذكر القرآن نجاة المسيح، وأصر على تكذيب النصارى في هذه المسالة ؟
ذكر القرآن الكريم نجاة المسيح لمجرد إثبات الحقيقة، وإثبات ضعف وعجز اليهود عن بلوغ مرامهم.
وثمة أسباب أخرى دعتهم لهذا المبحث منها: إدراكهم لخطر هذه العقيدة، وعظيم شأنها عند النصارى، فتقويضها يعني خواء النصرانية عن كل معنى، لذا يؤكد العلامة ديدات أن النصرانية لا تستطيع أن تقدم للناس أي فضيلة، سوى ما تزعمه من الخلاص بدم المسيح، فهي مثلاً لا تستطيع أن تقدم لنا نحن المسلمين الكرم أو النظافة أو.... فإذا ما بطل صلب المسيح، لم يبق للنصرانية مبرر للدعوة والوجود.
وفي الآثار العقدية لفكرة الصلب ما بجعلها هدفاً ينبغي التركيز عليه، ومن هذه الآثار الاضطراب في نظرة المسيحية للإله.
فقد ظهر في القرن الثاني الميلادي تلميذ شهير لبولس، اسمه مركيون، وكان يعتقد بأن إله اليهود الذي أعطى الناموس لموسى، وخالق العالم كان شريراً، وأما إله المحبة فقد ظهر في المسيح، وهو معارض تماماً لخالق العالم.
ويتصور مركيون محاكمة من المسيح لخالق العالم فيقول: " نزل يسوع إلى رب المخلوقات في هيئة لاهوته، ودخل معه في قصاص بسبب موته على الصليب قتلاً... قال له يسوع: إن الدينونة بيني وبينك، لا تدع أي شخص آخر يكون قاضياً، إنما شرائعك ذاتها تقضي لي... ألم تكتب في ناموسك أن من قتل يقتل ؟
وعندئذٍ أجاب ( إله المخلوقات ): لقد كتبت هذا.. قال له يسوع: سلم نفسك إذن ليدي..قال خالق العالم: لأني قد ذبحتك، فإني أعطيك عوضاً، كل أولئك الذين يؤمنون بك، تستطيع أن تفعل بهم ما يرضيك.
عندئذٍ تركه يسوع، وحمل بولس بعيداً، وأراه الثمن، وأرسله ليكرز بأننا اشتُرينا بهذا الثمن، وأن كل من يؤمن بيسوع قد بيعوا عن طريق هذا الإله العادل إلى الإله الطيب ".
فهذا الشطط في المعتقد إفراز طبيعي متجدد. يسببه تناقض العدل والرحمة، والقول بنجاة المسيح من القتل يضع الأمور في ميزانها الصحيح، فتعبد البشرية ربها، وهي موقنة بأنها تعبد الرب العفُوّ الرحيم.
فقصة النصارى في الخطيئة والفداء والشريعة تشبه قصة ملك تمرد عليه شعبه فأرسل إليهم رسلا يدعونهم إلى الخير والرجوع لسلطانه والإذعان لقوانين العدل والسلام التي وضعها.
لكن هؤلاء قتلوا رسله واستهزءوا بهم وزادوا عتواً فزاد غضب الملك عليهم ثم ما لبث الملك أن أصدر قراراً بأنه سيبعث ابنه الوحيد ليضربوه ويقتلوه ويهينوه كفارة عن معاصيهم، فمن صدق ذلك فهو عنده الكريم المغفور له.
كما أصدر أمراً آخر بإلغاء كل قوانين العدل والرخاء السابقة.
وأصدر أمراً باعتبار الرضا بالقرارات السابقة كافياً للحكم على الراضي بأنه مواطن صالح مهما ارتكب من آثام وموبقات وجرائم.
وقد كانت حيثيات هذا القرار: أن الملك عادل، ومن عدله يقتص من المجرمين المخربين المفسدين في مملكته، ولكنه حباً لهم، وحتى لا يهلك كل من في المملكة رضي بأن يقتص من ابنه الوحيد البريء، الذي يعدل القصاص منه كل جرائم شعبه، وأمر بأن يعذب ثم يصلب فما رأي النصارى بهذا الملك ؟
ومثل هذا الملك لا يقال في حقه عادل أو ظالم، وإنما الأليق به أن يقال عنه: إنه غبي سفيه معتوه".
هذه هي صورة الإله الذي تريد النصرانية المحرفة أن نعبده.
وعقيدة الصلب والخطيئة والفداء وما تعلق بها سبب لنفور الناس من الدين وانتشار الإلحاد، إذ لم يرضَ الناس بعبادة رب ظالم، أو رب مصلوب كالذي تريد الكنيسة من الناس أن يعبدوه.
ولعل من صور هذا الإلحاد والذي سببته عقيدة موت الإله بسبب الفداء ما قاله نيتشة: " إن كان من شأن فكرة الله أن تسقط ضلال الخطيئة على براءة الأرض، فإنه لابد للمؤمنين بالحس الأرضي أن يهووا بمعاولهم على تلك الفكرة ".
ويقول: " طوبى لأتقياء القلب، لأنهم لا يعاينون الله... لقد صرنا بشراً، ولهذا فإننا لا نريد إلا ملكوت الأرض، إلى أين مضى الله ؟ سأقول لكم إلى أين مضى؟ لقد قتلناه، أنتم وأنا، أجل، نحن الذين قتلناه، نحن جميعاً قاتلوه، ألا تشمون رائحة العفن الإلهي؟ إن الآلهة أيضاً تتعفن، لقد مات الله وسيظل ميتاً ".
بل إن فكرة الخطيئة والفداء وغرابتها جعلها محلاً للسخرية والهزء كما يقول ج. ر سنوت في كتابه " المسيحية الأصلية": " ومن المدهش أن هذه القضية الخاصة بيسوع ابن الله ليس محبوبة في العصر الحاضر، ويقال عن حمله خطايانا، ورفعه قصاصها عنا: إنه عمل غير عادل وغير أدبي وغير لائق، وبمكن تحويله إلى سخرية وهزء ".
فلماذا ذكر القرآن نجاة المسيح، وأصر على تكذيب النصارى في هذه المسالة ؟
ذكر القرآن الكريم نجاة المسيح لمجرد إثبات الحقيقة، وإثبات ضعف وعجز اليهود عن بلوغ مرامهم.
وثمة أسباب أخرى دعتهم لهذا المبحث منها: إدراكهم لخطر هذه العقيدة، وعظيم شأنها عند النصارى، فتقويضها يعني خواء النصرانية عن كل معنى، لذا يؤكد العلامة ديدات أن النصرانية لا تستطيع أن تقدم للناس أي فضيلة، سوى ما تزعمه من الخلاص بدم المسيح، فهي مثلاً لا تستطيع أن تقدم لنا نحن المسلمين الكرم أو النظافة أو.... فإذا ما بطل صلب المسيح، لم يبق للنصرانية مبرر للدعوة والوجود.
وفي الآثار العقدية لفكرة الصلب ما بجعلها هدفاً ينبغي التركيز عليه، ومن هذه الآثار الاضطراب في نظرة المسيحية للإله.
فقد ظهر في القرن الثاني الميلادي تلميذ شهير لبولس، اسمه مركيون، وكان يعتقد بأن إله اليهود الذي أعطى الناموس لموسى، وخالق العالم كان شريراً، وأما إله المحبة فقد ظهر في المسيح، وهو معارض تماماً لخالق العالم.
ويتصور مركيون محاكمة من المسيح لخالق العالم فيقول: " نزل يسوع إلى رب المخلوقات في هيئة لاهوته، ودخل معه في قصاص بسبب موته على الصليب قتلاً... قال له يسوع: إن الدينونة بيني وبينك، لا تدع أي شخص آخر يكون قاضياً، إنما شرائعك ذاتها تقضي لي... ألم تكتب في ناموسك أن من قتل يقتل ؟
وعندئذٍ أجاب ( إله المخلوقات ): لقد كتبت هذا.. قال له يسوع: سلم نفسك إذن ليدي..قال خالق العالم: لأني قد ذبحتك، فإني أعطيك عوضاً، كل أولئك الذين يؤمنون بك، تستطيع أن تفعل بهم ما يرضيك.
عندئذٍ تركه يسوع، وحمل بولس بعيداً، وأراه الثمن، وأرسله ليكرز بأننا اشتُرينا بهذا الثمن، وأن كل من يؤمن بيسوع قد بيعوا عن طريق هذا الإله العادل إلى الإله الطيب ".
فهذا الشطط في المعتقد إفراز طبيعي متجدد. يسببه تناقض العدل والرحمة، والقول بنجاة المسيح من القتل يضع الأمور في ميزانها الصحيح، فتعبد البشرية ربها، وهي موقنة بأنها تعبد الرب العفُوّ الرحيم.
فقصة النصارى في الخطيئة والفداء والشريعة تشبه قصة ملك تمرد عليه شعبه فأرسل إليهم رسلا يدعونهم إلى الخير والرجوع لسلطانه والإذعان لقوانين العدل والسلام التي وضعها.
لكن هؤلاء قتلوا رسله واستهزءوا بهم وزادوا عتواً فزاد غضب الملك عليهم ثم ما لبث الملك أن أصدر قراراً بأنه سيبعث ابنه الوحيد ليضربوه ويقتلوه ويهينوه كفارة عن معاصيهم، فمن صدق ذلك فهو عنده الكريم المغفور له.
كما أصدر أمراً آخر بإلغاء كل قوانين العدل والرخاء السابقة.
وأصدر أمراً باعتبار الرضا بالقرارات السابقة كافياً للحكم على الراضي بأنه مواطن صالح مهما ارتكب من آثام وموبقات وجرائم.
وقد كانت حيثيات هذا القرار: أن الملك عادل، ومن عدله يقتص من المجرمين المخربين المفسدين في مملكته، ولكنه حباً لهم، وحتى لا يهلك كل من في المملكة رضي بأن يقتص من ابنه الوحيد البريء، الذي يعدل القصاص منه كل جرائم شعبه، وأمر بأن يعذب ثم يصلب فما رأي النصارى بهذا الملك ؟
ومثل هذا الملك لا يقال في حقه عادل أو ظالم، وإنما الأليق به أن يقال عنه: إنه غبي سفيه معتوه".
هذه هي صورة الإله الذي تريد النصرانية المحرفة أن نعبده.
وعقيدة الصلب والخطيئة والفداء وما تعلق بها سبب لنفور الناس من الدين وانتشار الإلحاد، إذ لم يرضَ الناس بعبادة رب ظالم، أو رب مصلوب كالذي تريد الكنيسة من الناس أن يعبدوه.
ولعل من صور هذا الإلحاد والذي سببته عقيدة موت الإله بسبب الفداء ما قاله نيتشة: " إن كان من شأن فكرة الله أن تسقط ضلال الخطيئة على براءة الأرض، فإنه لابد للمؤمنين بالحس الأرضي أن يهووا بمعاولهم على تلك الفكرة ".
ويقول: " طوبى لأتقياء القلب، لأنهم لا يعاينون الله... لقد صرنا بشراً، ولهذا فإننا لا نريد إلا ملكوت الأرض، إلى أين مضى الله ؟ سأقول لكم إلى أين مضى؟ لقد قتلناه، أنتم وأنا، أجل، نحن الذين قتلناه، نحن جميعاً قاتلوه، ألا تشمون رائحة العفن الإلهي؟ إن الآلهة أيضاً تتعفن، لقد مات الله وسيظل ميتاً ".
بل إن فكرة الخطيئة والفداء وغرابتها جعلها محلاً للسخرية والهزء كما يقول ج. ر سنوت في كتابه " المسيحية الأصلية": " ومن المدهش أن هذه القضية الخاصة بيسوع ابن الله ليس محبوبة في العصر الحاضر، ويقال عن حمله خطايانا، ورفعه قصاصها عنا: إنه عمل غير عادل وغير أدبي وغير لائق، وبمكن تحويله إلى سخرية وهزء ".