إعداد فريق التحرير
من العجيب أن كثيرا من المسيحيين المعاصرين لا يعلمون أن كثيرا من معتقداتهم وشرائعهم وطقوسهم المعاصرة لا أساس لها في الكتاب المقدس بعهده القديم ولا بعهده الجديد سواء في الأناجيل الأربعة أو غيرها من محتويات العهد الجديد ولاسيما رسائل بولس.
فالمسيحية المعاصرة في حلتها الحالية ما هي إلا نسيج غزلته في مجمله أيدي الباباوات الأوائل قبل وإبان مجمع نيقية الأول، وهو المجمع المسكوني الأول الذي وضع اللبنات الأولى للمسيحية المعاصرة.
ومن الغريب أن ما صدر عن الباباوات والآباء الأوائل قد صبغ بصبغة شرعية لاهوتية إلهية جعلته معادلا لما نزل من عند الله وعلى قدم المساواة مع ما ورد عن السيد المسيح نفسه في الأناجيل الأربعة ومكملا لما نقل عن بولس وغيره في الرسائل والأسفار الملحقة بالأناجيل الأربعة.
ولذلك، أصبح ما يعرف بـ”التقليد الكنسي” أو “التسليم الرسولي”، وهو ما أثر عن الباباوات والآباء الأوائل، مصدرا هاما من مصادر التشريع وأصول الاعتقاد ومرجعا للطقوس الدينية في المسيحية.
وعلى الرغم من أن أقوال وأعمال بعض المسلمين الأوائل مثل قول الصحابي وعمل أهل المدينة تعتبر من مصادر التشريع الإسلامي، إلا أن هناك فرقا كبيرا بينها وبين التقليد الكنسي والتسليم الرسولي.
فليس لقول الصحابي أو عمل أهل المدينة حجية في أصول الدين بل في فروعه، فلقد اكتملت أصول الدين في حياة النبي محمد. أما التقليد الكنسي والتسليم الرسولي فينبى عليهما أصول في التشريع والاعتقاد المسيحي.
كما أن قول الصحابي وعمل أهل المدينة ليسا من المصادر المتفق عليها عند علماء المسلمين، بل يعمل بها بعض العلماء دون البعض الآخر. وعلاوة على ذلك، ليس لقول أحد المسلمين الأوائل أو عمله حجية في التشريع أو الاعتقاد إلا إذا كان ذلك القول أو العمل مبنيا على دليل صحيح من الكتاب أو السنة أو على الأقل غير متعارض مع دليل أصح وأقوى من الكتاب والسنة. أما ما كان من اجتهاد المسلمين الأوائل غير المبني على دليل من الكتاب أو السنة فليس ملزما لغيرهم من المسلمين المتأخرين.
أما التقليد الكنسي والتسليم الرسولي، فيعمل بهما معظم المسيحيين ولا يشترط أن يكونا مبنيين على نصوص الكتاب المقدس. تعالوا الآن نلق نظرة على أهم المعتقدات والتشريعات والطقوس المستمدة من التقليد الكنسي والتسليم الرسولي:
قانون الإيمان
وضع أول قانون إيمان وهو قانون الإيمان النيقاوي الذي ينطوي على عقيدة التثليث وألوهية السيد المسيح في مجمع نيقية في عام 325 برئاسة البابا ألسكندروس الأول، بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية التاسع عشر بين عامي 313 و326.
كتابة الأناجيل
قبل عقد مجمع نيقية، لم يكن هناك ما يسمى بـ”الكتاب المقدس” في شكله الحالي، وإنما كانت هناك أسفار وأناجيل ورسائل متفرقة. وفي هذا المجمع، تم اختيار نواة الكتاب المقدس الحالي من الأسفار والأناجيل والرسائل التي تتوافق مع العقيدة التثليثة التي ارتضاها قسطنطين، بينما تم إحراق وطمس الأناجيل والرسائل والنصوص التي لا تتوافق مع هذه العقيدة.
وكلف قسطنطين يوسابيوس في 331 بإيصال خمسين نسخة من الكتاب المقدس لكنيسة القسطنطينية. وسجلت مكتبة أثناسيوس نحو 340 ناسخاً في الاسكندرانية لتجهيز الأناجيل.
مواقيت الأصوام
إن الأنبا ديمتريوس الكرام (ديمتريوس الأول)، بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية بين عامي 191 و232، هو أول من قام بوضع الحساب الأبقطي (لاستخراج مواقيت الأصوام على قواعد ثابتة).
تحديد الصوم الكبير لمدة سبعة أسابيع قبل عيد الفصح
يعتبر تحديد الصوم الكبير لمدة سبعة أسابيع قبل عيد الفصح من الإنجازات التي نسبها التقليد إلى حبرية تيلسفوروس، بابا الكنيسة الكاثوليكية الثامن بين عامي 126 أو 127 و137 أو 138.
لغة العبادة والصلاة في الكنيسة
إن فيكتور الأول، بابا الكنيسة الكاثوليكية الرابع عشر وأسقف روما بين عامي 189 و199، هو من حول لغة العبادة والصلاة في الكنيسة من اللغة اليونانية إلى اللاتينية.
طقس صلاة الإكليل
بحسب الدليل البابوي ذاته، فإن البابا سوتر، بابا الكنيسة الكاثوليكية الثاني عشر، كان أول من حدد قواعد الزواج وأوجب على المسيحيين زيارة الكنيسة خلال الزواج للحصول على مباركة الكاهن. وهو أول من عد الزواج من الأسرار السبعة المقدسة في الكنيسة.
زواج الكهنوت
اعتبارا من رفع السيد المسيح عليه السلام وحتى انعقاد مجمع نيقية، لم يكن هناك إلزام للكهنوت بالبتولية وعدم الزواج بالرغم من تحبيذ ذلك على لسان بولس في رسائله بالعهد الجديد. ويذكر أنه قبل انعقاد مجمع نيقية سمح البابا كاليستوس الأول، بابا الكنيسة الكاثوليكية السادس عشر بين عامي 217 و222، للكهنة والشمامسة الزواج من جديد بعد وفاة نسائهم.
أما بعد انعقاد مجمع نيقية في عام 325 تقرر تحريم إعادة زواج الكهنوت والحكم بزواج البتولية على الكهنة المتزوجين والرهبنة وعدم زواج الكهنوت في المستقبل.
موعد عيد الفصح المسيحي (عيد القيامة)
ظل موعد الاحتفال بعيد الفصح محل خلاف بين المسيحيين بل وبين الباباوات والبطاركة والآباء أنفسهم لأكثر من ثلاثة قرون من بعد رفع السيد المسيح وحتى انعقاد مجمع نيقية في عام 325. فكانت هناك بعض الكنائس التي تصر على الاحتفال بهذا العيد في موعد عيد الفصح اليهودي الموافق الرابع عشر من شهر نيسان القمري وهو يوم صلب يسوع وفق العقائد المسيحية حتى ولو لم يكن يوم أحد، بينما تمسكت بعض الكنائس الأخرى ومن بينهم كنيسة روما بباباواتها المتعاقبين بالاحتفال بالفصح في يوم الأحد.
ولقد بلغ الخلاف في بعض الأحيان مبلغه حتى سمح البابا أنكيتوس لكل كنيسة أن تعيّد وفق الأساس الذي تراه مناسبًا، وقد ظلّ هذا الجدل منفتحًا حتى قام مجمع نيقية عام 325 بحسمه لمصلحة رأي كنيسة روما.
فتقرر في هذا المجمع: أولا: أن يعيد الفصح دائمًا في يوم أحد، وثانيا: أن يكون في الأحد الذي بعد 14 نيسان القمري أي بعد بدر الاعتدال الربيعي.
موعد الاحتفال بعيد الميلاد
إن البابا يوليوس الأول، بابا الكنيسة الكاثوليكية من 6 فبراير 337 إلى 12 أبريل 352، هو الذي حدد تاريخ ميلاد المسيح بيوم 25 ديسمبر من كل عام وذلك في عام 345.
الاحتفال بعيد الميلاد في منتصف الليل
يعتبر ترسيخ تقليد الاحتفال بعيد الميلاد في منتصف الليل من الإنجازات التي نسبها التقليد إلى حبرية تيلسفوروس، بابا الكنيسة الكاثوليكية الثامن بين عامي 126 أو 127 و137 أو 138.
رمز السمكة كأحد الرموز المسيحية
بحسب الدليل البابوي، فإن إقرار رمز السمكة كأحد الرموز المسيحية كان من أهم ثلاثة مراسيم صدرت في عهد سيكتوس الأول، بابا الكنيسة الكاثوليكية السابع وأسقف روما بين عامي 117 أو 119 حتى 126 أو 128.
المياه المباركة
يعتقد أن البابا ألكسندر الأول، بابا الكنيسة الكاثوليكية السادس وأسقف روما بين عامي 106 و115 أو 117، قد أدخل عادة استخدام المياه المباركة، المكونة من مياه نقيّة بعد الصلاة عليها، ورشها في منازل المسيحيين، وذلك لطرد “الأرواح الشريرة”، ومن الوارد أن يكون هذا التقليد بدوره غير صحيح وإنما من التقاليد اللاحقة.
العشاء الأخير في القداس الكاثوليكي
وفقًا للدليل البابوي، فإن البابا القديس ألكسندر الأول، بابا الكنيسة الكاثوليكية السادس وأسقف روما بين عامي 106 و115 أو 117، هو أول من وضع رواية العشاء الأخير في القداس الكاثوليكي، ومع ذلك فيما كتب عنه ضمن الموسوعة الكاثوليكية عام 1907 أنّ هذا التقليد المدرج ضمن الدليل البابوي قد لا يكون دقيقًا، خصوصًا أن أقدم الوثائق التي تشير إلى ذلك تعود للقرن الخامس وليس لفترة قريبة أو معاصرة من حبرية البابا.
قراءة القداس الإلهي مع الشعب
بحسب الدليل البابوي، فإن قراءة الكاهن لبعض المقاطع من القداس الإلهي مع الشعب الحاضر كان من أهم ثلاثة مراسيم صدرت في عهد سيكتوس الأول، بابا الكنيسة الكاثوليكية السابع وأسقف روما بين عامي 117 أو 119 حتى 126 أو 128.
ترنيمة غلوريا في الطقس الروماني الكاثوليكي
عادة ما تنسب ترنيمة غلوريا في الطقس الروماني الكاثوليكي إلى بداية حبرية تيلسفوروس، بابا الكنيسة الكاثوليكية الثامن بين عامي 126 أو 127 و137 أو 138.
وقوف القساوسة وإحناء رؤوسهم أثناء تلاوتهم للإنجيل
إن البابا أناستاسيوس الأول، بابا الكنيسة الكاثوليكية من 399 إلى 401، هو الذي أمر القساوسة بالوقوف وإحناء رؤوسهم أثناء تلاوتهم للكتاب المقدس.
_________
No comments:
Post a Comment