Thursday, October 10, 2019

وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ تدبير الله عز وجل


شبهت - مكر الله - { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } الأنفال 30
بعض المسيحيين يقولون :
لو كان القرآن من عند الله لما جاء وصف الله في القرآن بأنه - يمكر كما تمكر الناس . ويقولون :
كيف تصفون الإله العظيم بمثل هذه الصفة التي لا تليق ببعض الناس ؟
ألا يكفي هذا أن يكون دليلا على أن القرآن من تأليف إنسان وليس من عند الله ؟
.
ردي على هذه الشبهة
أقول بداية :
لقد نزل القرآن الكريم باللغة العربية الفصحى - بين فصحاء العرب وبلغائهم وشعرائهم - فآمنوا به وانقادوا له , واحتكموا إليه ولأحكامه .
فأولئك الفصحاء - وأولئك البلغاء - الذين هم أعلم الناس باللغة وبمعانيها وبمراميها - لماذا لم يعترضوا على تلك الصفة , إن لم تكن لائقة بجلال الله سبحانه ؟
لا شك بأن الأمر عندهم , لم يكن بحاجة إلى تفسير ولا إلى توضيح , وذلك بسبب فصاحتهم وبلاغتهم ومعرفتهم بمقاصد اللغة .
أما الآن - بعدما ضعفت ملكة اللغة عندنا , وبعدما تبدلت معاني بعض الكلمات , حتى أصبح لا بد من البيان ولا بد من التوضيح .
لذلك أقول :
علينا أولا أن نتعرف على المعنى الحقيقي لتلك الكلمة ( يمكر , يمكرون ، المكر ، الماكرين )
ففي هذه الأيام - غلب على الأفهام - وأصبح متداولا بين عامة الناس - أن المكر هو الخبث والغدر والدهاء - لذلك أصبح هذا هو المعنى الذي يتبادر إلى أذهانهم عند سماعهم كلمة ( ماكر أو مَكار ) حتى أصبح بعضه يشتم خصمه بوصفه بمثل تلك الأوصاف .
أما ( المكر ) في اللغة فهو - التخطيط والتدبير
وهذا هو المعنى الحقيقي لتلك الكلمة , وهو المقصود في الآية الكريمة ( يمكرون ويمكر الله ، والله خير الماكرين )
فالمشركون يمكرون - أي يخططون ويدبرون للقضاء على التوحيد .
وبالمقابل - يمكر الله - أي يخطط ويدبر من أجل رفع شأن الإسلام , ومن أجل نشر التوحيد .
فالله خير الماكرين - أي أن الله خير المخططين وخير المدبرين -
فتخطيط الله سبحانه وتعالى هو الحق وفيه النجاح والفلاح - بينما تخطيط المشركين هو الباطل , والفشل هو حليف مكرهم وحليف تخطيطهم وتدبيرهم .
ولقد تم - ما أراده الله سبحانه , وتم ما دبر الله له وخطط له - من انتشار الإسلام ومن علوٍ لشأنه .
وقد تم أيضا - ما أراده الله من سقوط الأوثان , ومن سقوط عبادة الأصنام والأوثان واندثارها - وكل ذلك كان - بفضل مكر الله أي بفضل تدبيره وتخطيطه .
ومن عظيم تدبير الله وحسن تخطيطه - أن الله قد ترك للمشركين حرية التخطيط وحرية المكر - وفي نفس الوقت أخبرنا - بأن مكرهم وتخطيطهم وتدبيرهم مصيره الفشل - فقال سبحانه :
{ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ } [فاطر: 10]
وقد قال الله تعالى في آية أخرى :
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } الأنفال 36
فالذين كفروا ينفقون أموالهم في سبيل الصد عن دين الله - فلا يكون ذلك الإنفاق إلا - بعد التخطيط وبعد المكر وبعد التدبير - ولكن - فإن نتيجة تخطيطهم ونتيجة مكرهم ونتيجة إنفاقهم - ستكون حسرةً عليهم وسيكون الفشل حليفهم - أمام تدبير الله عز وجل - وهذا ما حدث بالفعل .
خلاصة القول
هناك الكثير من الكلمات لها معاني ومدلولات لغوية صحيحة , يجهلها الكثير من الناس , ولولا الإطالة لضربت الكثير من الأمثلة على ذلك .
وهذه هي بعض الآيات التي تتحدث عن المكر - فليس عندنا ما نخفيه - وليس عندنا ما نقوم بتحريفه .
وليس عندنا ما نهرب من تفسيره , فنقول - بأن له تفسير روحي - كما تزعمون أنتم أيها المسيحيون .
لذلك - أتمنى أن يقرأ تلك الآيات كل من يدعي العقل والفهم من أصدقائنا المسيحيين وأن يتفكروا فيها , فقد قال سبحانه :
{ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُون }
الأنعام 124
وقال سبحانه :
{ اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ }
فاطر 43
وقال سبحانه :
{ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ }
فاطر 10
وقال سبحانه :
{ وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ }
الرعد 42
وقال سبحانه:
{ أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ }
الأعراف 9

No comments:

Post a Comment