Friday, July 22, 2016

دونالد ترامب والكراهية الإسلامية

"يجب ان نمنع دخول المسلمين الي الولايات المتحدة الامريكية".. هكذا صرح ودعا دونالد ترامب الساعي للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الامريكية، لحظر دخول المسلمين للولايات المتحدة بعد أحداث إطلاق النار الدامي في كاليفورنيا وقبلها في باريس. وأضاف "ليس لدينا أي خيار آخر." وقد جاءت تصريحات ترامب بعد استطلاع رأي أظهر أن المسلمين يكرهون الأمريكيين، وهو ما يشكل خطرا على البلاد وفق رؤيته. وأضاف أن "الحدود ينبغي أن تظل مغلقة أمام المسلمين حتى يتوصل نواب الشعب إلى فهم واضح لأسباب تلك الكراهية."وقال "إن الوضع سيزداد سوءا، وسنشهد المزيد من الهجمات المشابهة لتلك التي وقعت في سبتمبر / ايلول 2001."
لا شك ان دعوات الكراهية والعنصرية ضد أي معتقد أو عرق أو جنس في مختلف انحاء العالم تثير ردودا قوية ورافضة لهذا التوجه، وخصوصا بعد ان تعايشت غالبية الشعوب الغربية مع مختلف الأديان والمعتقدات والأفكار، بعد نتائج الحرب العالمية الأولى والثانية التي أسفرت عن ظهور الأمم المتحدة وقوانين حقوق الانسان والحريات والديمقراطية. وقد حظيت المجتمعات العلمانية اليوم بصور رائعة من التضامن والنجاح والمشاركة لمختلف العقائد الدينية ووصولها الي مستويات سياسية عالية في التوزير أو في التعايش والتضامن المجتمعي، كما حدث في كندا مؤخرا وفي فرنسا من توزير افراد من خلفيات مسلمة وعرقية مختلفة. وبعد حديث دونالد ترامب انطلقت الكثير من الدعوات، وخصوصا من المجتمعات المتخلفة الإسلامية، للمطالبة بالتحقيق معه او محاسبته، علما بأن ما قاله لا يتعدى مجال حرية الرأي والتعبير والتى لا يعترف بها المسلمون لانهم يعيشون ومنذ 1400 سنة تحت ظل نمط ديني أحادي التوجه والسلوك يعتبر كل رأي ضد أحد المسلمين أو ثقافتهم أو سلوكهم بمثابة هجوم على الإسلام والثوابت وحتى الله.
ولكن ماذا حدث اليوم حتى تظهر تصريحات المرشح الأمريكي بصورة واضحة ضد معتقد محدد وشعوب معينة ومن أعلى المستويات في الغرب؟.. بالتأكيد، وعند رجوعنا الي تصريحات ترامب، وحتى نكون أكثر شفافية ومصداقية في عرض ما نقول، حريا بنا أن نبتعد عن الحساسية المفرطة التي يحملها المسلمون ضد كل من ينتقد دينهم وثقافتهم، وأن نبتعد أكثر عن فكرة حظر الدين الإسلامي من الوجود في الولايات المتحدة الأمريكية، وخصوصا أن ترامب لم يتهم الدين الإسلامي، ولكن طالب بالحظر المؤقت للأمة الإسلامية من الدخول الي الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة أسباب العنف الإسلامي ضد الغرب.
وحتى نفهم تداعيات خطاب مراقبة المسلمين الذي لم يعد خافيا اليوم، بل أصبح ذو نبرة عالية وفي مختلف الدول والمجتمعات الغربية لما عانته من ردود افعال سلبية الي متوحشة بعد احتضان اعداد كبيرة وضخمة من المسلمين بعد احداث الربيع العربي. سوف ننطلق من حقيقة واقعية قالها ترامب في تصريحه الأخير، إذ قال "من أين تأتي تلك الكراهية، وما هي أسبابها، هذا هو ما علينا التوصل إليه".. ونحن هنا نشارك السيد ترامب في سؤاله وخوفه وقلقه، إذ لم تعد حقيقة الكراهية مقتصرة على الآخر المختلف في مجتمعاتهم، أي على الكفار واليهود والمسيحيين والملحدين وقائمة تطول من المسميات الحافلة بها كتب الفقه والشريعة الاسلامية ضدهم، بل أصبحت الكراهية الاسلامية اليوم تطول المذاهب الاسلامية فيما بينها، وتطول من لا يلتزم بالصلاة او الصيام او حتى يشجع كهنة الدين، واضف لذلك لستة العلمانيين والليبراليين حتى ولو كانوا يقومون الليل بالصلاة والدعاء. فقد وصلت الكراهية في التاريخ الإسلامي الي درجات عالية من العنصرية والتمييز بين المسلمين انفسهم، فضلا عن الآخر المختلف. فأبواب الفقه الإسلامي مليئة بنواهي وتحريمات تجعل من الجماعة المؤمنة تعيش سلوكيات الحرب والنفاق والتقية والكراهية، بدءا من احاديث من بدل دينه فاقتلوه او فرض الجهاد والأمر بالمعروف وتغيير المنكر باليد، ومعاقبة من لا يلتزم بالصيام، وغيرها من النصوص الحاضة على مواجهة المنافقين والمؤمنين والتشديد عليهم داخل إطار الجماعة المؤمنة لحفظ الجسد الإسلامي من النفاق والتصدع كما تقول كثير من كتب الفقه والتشريع.
فمن هذه الكتب الدينية، ومن داخل النصوص الدينية، ومن بطون التراث والسير والتراجم الإسلامية، حفظ المسلمون تاريخهم وتراثهم على مدى قرون وقرون، فوصلوا الي عالم اليوم وهم يحملون تلك التركة الثقيلة والمليئة بالجمود والإقصاء والتشرنق، فتعاملوا مع الآخر المختلف وفقا لهذا التراث والدين، ووفقا لما قاله الموتى وأهل القبور، فلم يكن لهم نصيب بالحداثة وبرامج التطور العلمي والتعليمي والفلسفي، فالأمة التى تحجر على عقول ابنائها، لن تنتج سوى اجيال مستذئبة تعيش في الكهوف وتتغذي على الآخر المختلف بالقوة والعنف والكراهية..هكذا كان حال العرب والمسلمون، فلم يتغير أي شيء بعد دخولهم الأمم المتحدة، ولم يحاولوا التطوير من انفسهم ومن تعليمهم ومن نمط اقتصادهم الريعي، فأصبحوا عالة على الدول المتقدمة، وبنفس الوقت يحملون عنصريتهم معهم وتمييزهم الديني وانحطاطهم الأخلاقي، كلما واجهوا تفوق الآخر أو هزيمتهم وشذوذهم الفكري.
إن محاسبة السيد دونالد ترامب، لن تجدي نفعا أمام بشاعة كم الكراهية والتعنصر الإسلامي ضد الآخر المختلف، ولن تجدي دعوات الوسطية والإعتدال الإسلامي أمام الضحايا الذين يموتون فوق صيحات الله أكبر في المجتمعات الغربية، فالغالبية من المسلمين مع تطبيق الشريعة والحدود الإسلامية، وهذه الحدود هي من تقتل المرتد ومن تعدم المسيء ومن تقطع الأيادى ومن ترجم النساء في مشاهد مرعبة تمثل أقسى ما توصل اليه فكر الانسان من الإنتقام من أخيه الإنسان. بل ان المسلمون اليوم أمام تحديات أكبر من تصريحات ترامب، انهم امام مواجهة حقيقية لنتائج تطبيق دينهم، انهم امام تنظيمات وتيارات اسلامية، لم تكتفي بالتمثيل البرلماني للوصول الي الحكم، بل قامت بما قام به اجدادهم من فتح الدول والأمصار بالقوة والسيف كما حدث في العراق واليمن وسوريا وليبيا تحت ظل وأسم الخلافة الإسلامية. إن الكراهية التى قال عنها ترامب، وربما لم يتوصل الي معرفة اسبابها الحقيقية لانه غير مسلم، لا تنطلق في الحقيقة إلا من مجتمعات وشعوب مازالت تدرس كيف تضيق على المسيحي دربه، وكيف لا تشارك المسيحيين اعيادهم واحتفالاتهم، وكيف ان عيد الحب والموسيقى والغناء بدعة وكفر وانحلال، وكيف ان حقوق الانسان والحريات وحقوق المرأة مجرد هرطقات وزندقة يجب منعها وتحريم دراستها والوقوف أمام من ينادي ويطالب بها، ولعل ترامب لم تسنح له الفرصة ليطلع على أحكام القضاء في مجتمعاتنا الإسلامية ليرى بأم عينيه كيف يتم محاكمة المسلم لمجرد مقال او رسوم او شعر ينتقد فيه او يضع رؤيته حول التراث والفقه الاسلامي. إن ترامب لا يعلم ان الانسان العربي والمسلم خائف من فكرة الدين، طالما ان انتقادها أو رفضها او حتى الانفصال عنها يؤدي به الي الموت في ابشع صورة من خلال اصدار صك شرعي بأنه مرتد عنها، ليواجه عقوبة قطع رقبته أمام جمع من الناس في ساحة عامة. حيث تاريخيا، لم يمارس الي اليوم هذه العبثية في التلاعب بأرواح الناس سوى الفكر الإسلامي وتراثه العامر بفتاوي ونصوص دينية تعتبر الانسان مجرد أداة لا قيمة لها أمام بقاء الدين وانتصاره على كل الايديولوجيات والشعوب في العالم.
لنتخيل قليلا انه تم تطبيق الشريعة في الولايات المتحدة الامريكية كما ينادي بذلك 51% من المسلمون كما أظهر استطلاع للرأي بحسب مؤسسة "بو ريسيرش". فالصورة داخل الولايات المتحدة الامريكية لن تختلف عن ولايات الرقة والموصل وسرت الحالية، وغيرها من الولايات الاسلامية قبل 1400 سنة، وسوف تعيش الشعوب الأمريكية في التمييز العنصري بين الرجل والمرأة، وبين المرأة الحرة والأمة، وبين العبد والسيد، وبين الامريكي المسلم وغير المسلم، ثم بين الامريكي المسلم وأهل الذمة من الديانات الأخرى، بخلاف تراجع المؤشرات العلمية والصحية والاقتصادية لتنافس مجتمعاتنا الاسلامية الحالية.. انها حالة مرعبة تنبه لها السيد دونالد ترامب، وكان من الشجاعة أن يعلن ويدق ناقوس الخطر الذي تعيش فيه أصلا الشعوب العربية والإسلامية طوال تاريخهم العربي والإسلامي.

عبدالعزيز عبدالله القناعي
azizalqenaei@hotmail.com

No comments:

Post a Comment