Wednesday, March 6, 2019

تحريف الكتاب المقدس

التحاريف والاضافات والحذف استمرت عبر القرون الاولى فى الكتب المقدسه الاربعه٠

قال الدكتور منقذ السقاف في كتابه (هل العهد الجديد كلمة الله): تساءل المحققون طويلاً عن إنجيل المسيح الذي أنزله الله على عيسى، ذلكم الإنجيل الذي يؤمن به المسلمون، والذي تذكره الأناجيل كثيراً. لكن الإجابة النصرانية هي صمت مطبق، وتجاهل لوجود هذا الإنجيل، فنقطة البدء عندهم للإنجيل، أو العهد الجديد تبدأ من الحواريين، وهم يسطرون الرسائل، والأناجيل لكن رسائل بولس التي ألفت في النصف الثاني من القرن الأول، تتحدث في نصوص كثيرة عن إنجيل المسيح، ولا تذكر شيئاً عن الأناجيل الأربعة التي لم يكن مرقس - أول الإنجيليين - قد خط شيئاً منها، إذ أن بولس - وله أربعة عشر رسالة في العهد الجديد - قتل سنة 62م، بينما ألف مرقس أول الأناجيل عام 65م، ثم تتابعت العشرات من الأناجيل بعد ذلك، وهي تشير أيضاً إلى إنجيل المسيح - عليه السلام - أو إنجيل الله. اهـ.
ثم ذكر نصوصا من الكتاب المقدس عندهم، تتحدث عن إنجيل المسيح، ثم قال: وقد تهرب عموم النصارى من الإقرار بوجود إنجيل حقيقي، هو إنجيل المسيح، فقالوا: لم ينزل على المسيح شيء، بل الإنجيل هو أقواله الشخصية، وقد سطرها الإنجيليون. وهذا بالطبع متسق مع قولهم بألوهية المسيح، إذ لا يليق بالإله أن يؤتى كتاباً، فهذا حال الأنبياء. لكن يردُّ هذه الدعوى ذكر النصوص التي تحدثت عن وحي الله إلى المسيح، منها قوله: " أنا أتكلم بما رأيت عند أبي" (يوحنا 8/ 38). وكذا قوله مثبتاً نزول الوحي عليه، بما أسماه وصية الله التي أعطاه الله إياها: "لأني لم أتكلم من نفسي، لكن الآب الذي أرسلني هو أعطاني وصية: ماذا أقول، وبماذا أتكلم، وأنا أعلم أن وصيته هي حياة أبدية. فما أتكلم أنا به، فكما قال لي الآب، هكذا أتكلم" (يوحنا 12/ 49 - 50)، ومثله قوله: " أتكلم بهذا كما علمني أبي " (يوحنا 8/ 28) ...
ولنا أن نتساءل إن كان هذا الإنجيل مما أمرت الكنيسة بإحراقه، ضمن الأناجيل الكثيرة التي حرمتها، وأمرت بحرقها في مجمع نيقية، لكنا لا نجد لسؤالنا جواباً إلا إنكار وجود هذا الإنجيل، وقد ثبت لدينا وجوده. فكثيراً ما نسمع مطالبة النصارى للمسلمين أن يظهروا إنجيل المسيح الذي يدعونه، فيجيب العلامة منصور حسين في كتابه الفريد "دعوة الحق بين المسيحية والإسلام": "إنه منذ فجر المسيحية، وبعد رفع المسيح، وقبل الإسلام كان هناك العديد من الأناجيل، قبل المسيحيون أربعاً منها فقط .. والباقي - كما وجدنا - طوردت وأحرقت، والذين طاردوها هم المسيحيون أنفسهم وأحرقوها، وليس المسلمون، وليدلنا سيادته (أي القمّص باسيليوس، وهو أحد المرددين لهذه العبارة) عليها، وحينئذ أدله من بينها على الإنجيل الصحيح، أما أن يحرقها المسيحيون، ثم يطالبون المسلمين ... فهذا غير معقول ". إذاً قد اختفى إنجيل المسيح، وعهدة إحضاره باقية في ذمة النصارى، لا المسلمين. اهـ. 

فمنذ البدء، أدرك آباء الكنيسة خطورة تعدّد الأناجيل، ممّا أملى محاولات للخروج من المأزق، طورا بإضفاء صدقية على بعض النصوص ونزعها عن غيرها، وآخر بمحاولة صياغة أسفار موحَّدة مستخلَصة من النصوص الحائزة على شرعية، كالذي قام به السوري ططيانس حوالي العام 175 م، مع ما عُرف بسفر الدياتسرون -Diatessaron-، أي "الرباعية"، بحسب المدلول الأصلي للكلمة، وهو أول ملخص قَدّم فيه صاحبه الأناجيل الأربعة (متى ومرقس ولوقا ويوحنا) ضمن رواية جامعة غير مجزأة. فمنذ تحول الإنجيل إلى أناجيل، وما رافقه من تقلّص آمال العثور على إنجيل المسيح الحقيقي الكامن خلف الأناجيل، دخلت المسيحية في مأزق، بشأن مشروعية النص المقدّس وصدقيته، فأي الأسفار يحوز تلك الأصالة؟
فكما يورد الكتاب يُنسب إلى البابا جلاسيوس (القرن الخامس) ضبط قائمة الـ59 عنوانا التي أمر بتجنّبها بوصفها نصوص هرطقة. مع ذلك بقيت تلك النصوص متداوَلة بين شرائح واسعة لما تلبّيه من شغف لدى الناس. كما يُنسب لمايكل نيادر سورافينانسيس أول تجميع للأعمال الأبوكريفية في بازل (سنة 1564)، تبعته محاولة أخرى أكثر انتظاما ليوهان ألبار فابريسيوس بعنوان: "Codex apocryphus Novi Testamenti". والمتمعن في مختلف الأناجيل، "القانونية" منها و"المنحولة"، يلحظ تمحورها في مضامينها حول شخص المسيح (ع)، لذلك تميز جلها بالإجابة عن سؤاليْ من المسيح ومن أين جاء؟ مع ذلك بقيت منطقة ظلّ أو فراغات بارزة في تلك الأناجيل تمتد على مرحلة الطفولة المبكرة لعيسى (ع)، كان إنجيل الطفولة أبرز المنشغلين بها، حيث تدور أحداث الإصحاحات الأولى في هذا الإنجيل حول المغارة لتتحول الإصحاحات اللاحقة إلى كشف للقدرات الخارقة للمسيح وهو في المهد. كما نلحظ تركيزا في النص على سيكولوجية العذراء مبرزا مدوِّن السفر السمو الروحي لمريم، ولعل ذلك ما مهّد للانحراف نحو ما يعرف بالطقس المريمي في المسيحية الراهنة. فضلا عن أن الأناجيل الأبوكريفية تفوق القانونية في توضيح بعض النقاط الغامضة أو الواردة في القانونية مقتضبة. كما ساهمت الأبوكريفية، وإنجيل الطفولة السرياني إحداها، في ترسيخ معتقدات على غرار طقس عبادة العذراء مريم، منذ القرن الخامس الميلادي، في حين لم تقر الكنيسة الكاثوليكية ذلك سوى مع العام 1950.

No comments:

Post a Comment